• التحوّل إلى الإقتصاد الموازي

التحوّل إلى الإقتصاد الموازي

(نداء الوطن - سامي نادر)

شارك هذا الخبر

تفاقمت الأزمة المالية التي نعيشها مع انهيار الثقة بالقطاع المصرفي، إلى ظاهرة بالغة الخطورة، وهي تحوّل الإقتصاد تدريجياً إلى ما يسمّى بالكاش اكونومي (CASH ECONOMY)، والذي يفلت إلى حدّ بعيد من رقابة الهيئات الرسمية وهذا بحدّ ذاته يشكّل تهديداً لقطاع الإنتاج، ولهيبة الدّولة واستمراريّتها، كما ويساهم بضرب صورة لبنان وعزله عن العالم، خاصة في ظل تنامي الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب والجرائم المالية.

أن تعجز الدولة عن احتواء هذه الظاهرة في خضم الأزمة التي تعصف بنا، أمرٌ لا يرفضه المنطق نظراً للإنسداد السياسي الحاصل وتعثّر برنامج الإنقاذ مع صندوق النقد. ولكن أن تساهم الحكومة من خلال سياساتها وقراراتها في تحفيز الإقتصاد الموازي، مع كافة تداعياته على المالية العامة، فهذا ما لا يقبله لا عقل ولا دستور.

رفع الرسم الجمركي كما تقترحه الحكومة من خلال موازنتها، يشكّل محفّزاً للتهرّب الضريبي والتهريب. خاصة أنّ المعابر والحدود مشرّعة، عددها تجاوز الـ1500 وفق ما يتمّ تداوله، ولم تتّخذ حتى الساعة أي خطوة عملية باتجاه ضبطها؛ طبعاً باستثناء التصاريح، والخطابات، والبيانات الوزارية.

في الفترة الأخيرة وحتى اندلاع الأزمة، شكّلت الحواجز الجمركية المرتفعة، وغياب أجهزة ومسالك الرقابة، وخاصة تمدّد سلطات الأمر الواقع على المرفأ وعلى الحدود، عوامل دافعة باتجاه السوق الموازية. وباتت تطرح أسئلة كثيرة حول من المستفيد من هذا التّحول، وعمّا إذا كان هناك من مخطط موضوع عن سابق تصوّر وتصميم لتكبير حجم هذا الإقتصاد الموازي غير الخاضع لأيّ نوعٍ من الرقابة لا المحلية ولا الدولية.

فحتى عام 2019، كان الفرق في كلفة الإستيراد بين من يستورد بعد ما استوفى كافة الرسوم الجمركية وبين من «يتهرّب» من هذه الرسوم، يقدر بحدود الـ27%. هامش غير بسيط لصالح المهرّبين والمتهرّبين. هكذا تنامت أسواق موازية في قطاعات كثيرة مثل الالكترونيات، ومواد البناء، والمفروشات... وأقفلت مؤسسات، ورمي من كان يعمل بها في سوق البطالة، وظهرت أخرى نمت وانتشرت على حساب المالية العامة و»الأوادم».

وجدير بالذكر أنّ المهرّبين والمتهرّبين يأخذون حصّتهم من سوق الإستهلاك، من دون أن يدفعوا رسوماً جمركية، ولا ضريبة على القيمة المضافة (11%)، ولا ضريبة على الأرباح، ولا حتى إشتراكات صندوق الضمان، كما ليسوا مطالبين ببراءة ذمة من هذا الأخير لإخراج بضائعهم من على أرصفة المرفأ.

أما بعد الأزمة، ومن حسناتها النادرة، أنها قلّصت هامش المهرّبين. إنهيار الليرة، أسقط عملياً الحواجز الجمركية المرتفعة. وبالرغم من تفلّت الحدود والمعابر، إستطاعت المؤسسات المنضوية تحت القانون والمستوفية كافة واجباتها الضريبية (بما فيها رسوم الضمان الإجتماعي) الصمود والاستمرار أمام مافيات التهريب.

قرار الحكومة اليوم برفع الرسوم الجمركية يعيد للإقتصاد الموازي، هذا «الهامش التنافسي» وبفارق كبير لصالحه. فهل نحن أمام هفوة، أو سياسة قصيرة النظر، أو مخطط لتحويل الثروة من قطاع الإنتاج إلى اقتصاد أسود له تمدّداته في الداخل وربما في الإقليم.

آخر الأخبار
GMT

آخر الأخبار
GMT